1_القنص:
-سنلعب....
داخل الطريق الضيق...مصباح خافت قمرى الاضاءة...يتجمع حوله الفراش..لف شالها الحريرى حول عينيها ..ابتسمت..كيف الفته سريعا حتى أصبح بهذا القرب؟
تشعر به خلفها..وضعت يدها وهى تلتفت..فاصطدمت بالهواء..عادت تبتسم..
مهلا...يعاود الاقتراب..بلا تحفظ الان من أن تمسك به..أين قواعد اللعبة؟ ذابت ابتسامتها..يدفعها للجدار..أصبح أمامها والجدار خلفها..أين المفر؟ تريد أن تحرر عينيها لترى الحقيقة..رائحة نفاذة تصدم أنفها..برودة منديل مبتل تكتم شفتيها وأنفاسها..حاولت أن تصرخ..استنشقت أكثر..حتى الثمالة..دارت بها الدنيا..
***********
2-الصلب:
لاتزال فى الظلام..مازالت الرائحة النفاذة فى أنفها..ممتزجة هذه المرة برائحة أخرى غريبة تزكم الأنوف..رائحة نتنة تندس الى رئتيها بقوة...ألم قوى فى ساقيها..وذراعيها..هى مصلوبة..أو معلقة..قيد شائك يحيط رسغيها..تجذبه بلا جدوى..عنفها يؤذيها هى أولا..استكانت فى يأس مع عبث المحاولات..الرائحة النتنة تزكمها ..تصيبها بالغثيان..أفرغت مافى جوفها وهى تسعل بلاتوقف..لاصوت سوى صوتها..لا حركة سوى حركتها..برودة غريبة كأنها فى قبو..أقدامها الحافية تتلمس ما يوجد أسفل منها..شيئا لينا فى الجوار..حاولت تحسسه بأطرافها الباردة..كان أكثر برودة منها..اقشعر جسدها وانتفض قلبها...انه وجه..وشعر...ان أقدامها تطأ بشرا...صرخت..
***************
3-العطش:
لاشىء سوى بكائها بلا انقطاع..تنام وتصحو على وضعها المؤلم..ظلام مطبق وأجساد أسفل الأقدام..الام بذراعيها جعلتها تفقد الشعور بالألم..تيبست...
الجفاف يستشرى بداخلها..الان فقط شعرت بالعطش...تشعر بأوردتها وشرايينها تلتصق على الفراغ..يد تعتصر فيها الحياة حتى النخاع...تتململ فى الوقوف..تنقل ثقلها على قدم لتريح الاخرى..تشب على أطراف أصابعها لتريح ذراعيها المصلوبتين...العطش يشق حلقها بالجفاف..شفتاها جافتان..لا لعاب تزدرده ..قطرة من ماء!...صرخت:
**************
4-الانشطار:
أحلامها المبتورة لا تكتمل..كوابيس لاتتوقف..بدأت فى الانشطار ..انشطرت على ذاتها...أصبحت كتلتين..جسد خائر القوى...بلا مقاومة معلق بين السماء والأرض..وماتبقى من ذكريات انسانة كانت تعرفها...ذكريات بعيدة معتمة كأنما تخص غيرها....
ضحكات اللهو والبراءة..حديقة غناء فى نهار مشرق..كل مافيها أخضر...فتحى ياوردة..غمضى ياوردة..ضحكات طفولية شقية..تركض مع الأطفال..
دموع فراق الأحبة..عناق دافء من أب يستعد للسفر...فرحة النجاح وصرخة تشق عنان السماء
-أحبك ولن أحب سواك..
ثم أمها تصرخ بصوت مفزع...غبية!!!!!!!!!!!!!!
انتفضت لتفيق من غيبوبتها..لم تعد تؤمن بالحوارات الجدلية العقيمة..أصبح الكون واضح المعالم..حياة وموت...وهى على أعتاب أحدهما ومشارف الأخرى...سؤال واحد ملح...هل ستموت هنا؟؟
*****************
5-السلخ:
أما أن لهذا العذاب ان ينتهى؟؟
أنفاسها تتردد فى عمق..تكاد تسمع نبضاتها فى هذا السكون المريع..اعتادت أنفها الرائحة المقززة..لم تعد تشعر بالألم..خارت قواها..علقت نفسها لتريح أقدامها اليائسة...لم تعد تستطيع!
فجأة...
استشعرت الضوء الخافت..حركت عينيها..التصقت رموشها بالشال الحريرى المعقود حول عينيها..خيالات لا تفهمها..أجسام غريبة داكنة...
التقطت أذناها صوت أقدام وهمهمات..
هتفت: اغيثونى!!!
أصوات رتاجات تفتح وسلاسل ثقيلة تسقط..صرير باب مزعج..شبح رجلان تراهما حولها..أزاحا من تحتها اشياء..لامست قدماها الارض الأسمنتية الباردة..كانت تتوسل..تبكى..تسأل...لا مجيب..أيديهما القوية تحررها ..سقطت بين ذراعيهما فى انهيار الألم..لاتقوى على السير..يجرانها بلارحمة..تهتف وتبكى..ولا حياة لمن تنادى...لا تفهم شيئا..
رفعاها وهى ترتجف على لوح بارد من الرخام..شعرت بظهرها المتشنج يئن..الان فقط عاودت الشعور بالألم..لا تكاد تدرك ان جسدها ملك لها..تحركه كما تشاء..ولكن....
مرة أخرى يجذبان ذراعيها وساقيها الى قيود جديدة..أقوى وأشد..بدأ نحيبها يعلو..شعرت بأحدهما يغرس فى ذراعها ابرة..لم تعد تشعر بالألم....وسقطت فى بئر من الصمت والسكون..
*******************
6-الشق:
خيالات واوهام كالأمواج...تريد ان تطفو على السطح...يرفعها الموج عاليا لبعض الوقت ثم يقذفها بعنف ...بحر بلا نهاية..
لاتزال تشعر بالام رسغيها..اه...الم أقسى يشقها نصفين..فراغ فى أحشائها..كأن سكين حاد مغروس فى جانبها..جرح رهيب مؤلم كشق من نار..مصلوبة من جديد..تبكى..مامعنى البكاء؟؟ مامعنى الألم؟...ذراعاها ممزقان وساقاها كأعواد القش..نبضها ضعيف..أنفاسها لاهثة..العرق يتصبب..يسيل على وجهها ويقطر من ذقنها..الالم يشق جنبها..تصرخ بما تبقى لديها من صوت يائس مبحوح...
*******************
7-الخلاص:
انتبهت لأصداء الرتاجات والسلاسل..أصواتهم هذه المرة تتضخم فى اذنيها..تأهبت للجولة الثانية..أين الشق هذه المرة؟
كانا يحملان ذراعيها بينهما بينما ساقيها تزحفان خلفها باستسلام..وعلى نفس اللوح الرخامى وبنفس القيود صلبت من جديد..بعض الراحة بعد طول الوقوف..التقطت نفسا عميقا وابتسمت...
الابرة تغرس من جديد..وفى لحظة..
صوت سيارات الشرطة..الاسعاف..لابد انها تهلوس...تدافع أقدام..صرخات وصيحات...طلقات تتعالى..هرج ومرج..انها فى هلاوس الحلم..أكان حلما؟...
يد تفك قيودها..يحملونها..وضوء قوى يخترق عينيها..أبصرت من جديد..ولكن..ياللنوم الذى يثقل جفنيها..واستسلمت..

No comments:
Post a Comment