Thursday, 6 August 2009
ولا عزاء للنساء By Nermeen
توقفت عند منتصف الطريق..تسترجع عبير العمر البعيد...تلك الوجوه التى اعتادتها منذ زمن مضى لن يعود..وهذه اللقطات التى تومض ببريق من الماضى فتعيد اليها شريطا من الذكريات ..فيها المر والحلو على حد سواء...التقطت نفسا عميقا تملا به صدرها الحزين لتتأهب لبئر الاحزان التى هى على بعد خطوتين منه..فرت من عينها عبرة رغما عنها..لا..تريد أن تتماسك...لا تريد أن تبكى..اعتادوها قوية وستظل هكذا..رغم أنها الان أضعف من قشة خائرة القوى..عادت تستانف المسير وهى تلقى نظراتها على ملامح هذا الشارع القديم الذى كان جزءا منها فى يوم من الايام وكانت جزءا منه..هذا الطريق الضيق..المداخل الواطئة..الشرفات المتقاربة والاطفال التى تركض هنا وهناك..قرابة عشر سنوات مرت قبل أن تطأ هذا الطريق اليوم..تستحضر هذه المعانى القديمة التى عاشتها هنا..نظرت الى مدخل المنزل الواطىء..هاهو ..توقفت..بدا واطئا ربما أكثر مما اعتادت قديما...وبدا المدخل أضيق مما كانت تظن...التفتت فى خطواتها الاولى الى عدد من النسوة يهبطن الدرج...يتحدثن بأصوات مرتفعة..بيد أنها قد صدم أذنيها صوتهن المرتفع وتمنت لو همست..بالله أخفضن صوتكن..فللأموات حرمة...وللعزاء طقوس!...ولكنها لم تبادر بالحديث..خفضت رأسها وكأنما تخشى ان تتعرف أحدهن من بحار الماضى..وأحكمت منافذ نظارتها السوداء فوق عينيها..وتساءلت فى دهشة..ماهذا الذى افعله؟...ولكنهاعادت تذكر ما بدا لها من ذكريات لا تتمنى استرجاعها..فلم تولى عليهن منصرفات وعادت تستأنف طريقها...مضت الى داخل المسكن..صعدت الدرجات العاليه..وبدا كل شىء كما هو..كما لو كانت هنا باأمس...ولكن..رغم هذا العبق المألوف..ثمة تغير طفيف..احساسها بأن شىء ما يختلف..اما انها كبرت على الكان او أن المكان قد ضاق عليها...نظرت فاذا باب منزلهم على مصراعيه..يدخله الكثير ويخرج منه الكثير..تقدمت بخطوات وئيدة..نظرت فى عيون الجالسات..متراصات حتى الباب.زكلهن متشحات بالسواد..متشابهات..الهمهمات تطفو على المكان..وصوت القران خفيض..كأنما يتمتم...بحثت عنها وسط الرؤوس المتراصة..هى..حبيبتها..من أتت من أجلها..حتى ظهرت لها فجأة من بين الزحام..طارت اليها متههللة الأسارير..وعينيها متورمتان من السهد والبكاء..-عائشة..حبيبتىعانقتها بحرارة أم تعانق فلذة كبدها همست عائشه وسط الدموعوهى ترنو بطرفها الى باب شقتها القديمة الموصد على الذكريات-وحشتينى قوىفاضت من عينيها الدموع دون ان تدرى..اصطحبتها الى الداخل..أجلستها وسط النسوة..لم تعد تعرف أحدا ولم يتعرفها أحد...واطمأنت فى جلستها تجاهد لتصغى لصوت القران...الهمهمات من حولها تتعالى..والانظار تكاد تشقها وتخترقها..تكاد تسمع السؤال كأنما هو طلقة تخترق صدرها-مين دى؟الغرفة ضيقة..تتراص فيها المقاعد بشكل عشوائى..وعدد لا باس به من الأطفال..الأطفال تملأ المكان..تجاهد لتسمع القران..الصوت يكاد يتلاشى مع الضجيج..عويل الاطفال..يركضون هنا وهناك..يصرخون..يتجاذبون الأشياء التافهة..تعالت رنات الموبايلات..-انت فين ياحبيبى؟..شوية كدة وجايالك..دة مابقاليش عشر دقايق..على الأقل أكمل ربع ساعة أحسن الناس تاكل وشىشردت بذاكرتها عشر سنوات مضت..مرت سريعا..تذكر الفقيد..والد عائشه..كان ابا حنونا بارا..استعاضت به فقد الأب والاخ..لولا سفرها لما تركته..كانت ترى ابتسامته لا تغادر شفتيه..لكل الناس..تقطر حبا وحنانا..تشى فى برغبته فى اسعاد كل من حوله..كم يحتاج اليها الان فى مثواه الاخير دعائها وقرانها..ربما يعيناه على اختباره العسير الان..اين القران؟..بحثت بعينيها فى الحاضرات..لم تكن احداهن تقرأ القران او حتى تعير ما يقرأ اهتماما رقبت اثنتين يتحدثان..عن الطبخ..كيف تصنع الفتة؟..كانت ترغب فى الصراخ..كفى!!!!الأطفال يركضون بجنون محموم..الجوالات لا تتوقف عن الرنين...-بس يا ولدثم تستانف عمل الفتة-مابتشوفيش فاطمه؟أصل عليها ليه فلوسالتقطت نفسا عميقا تبتلع شعورها بالحنق-هيه سعاد جت عزت والا لأ؟-ألا صحيح هدى حاطه مكياجانتفضت على قدميها..التفت اليها الجميع!!!****طالعت المقبرة وهى ترص فوقها باقات الورد باعتناء..التقطت نفسا عميقا ملؤه الطمأنينة وهى تستمع الى الشيخ يرتل بصوته الرخيم المثير للشجون...هبت نسمات حبلى بعطر الريحان ورائحة الرمال المعطرة بالمسك...التفتت الى عائشه الباكية..أحاطت كتفيها بذراعها وهى تضمها فى حنان الى صدرها..ابتسمت بدمعة عزيزة-ادعيله بالرحمة...
Subscribe to:
Post Comments (Atom)

No comments:
Post a Comment